مطاردة من أجل لقمة العيش

كتبت – نور أبو غيث
ضباب يحجب الرؤية، وأمطار تتساقط، ووحل يملئ المكان، وأصوات خطوات تكاد لا تسمع من خفتها، ترى بؤبؤ العين لا يهدء يتحرك يمينا وشمالا وأعلى وأسفل، همسات إذا لم يكن سمعك جيداً فقد لا تسمعها، هدوء يملئ المكان، وفجأة تسمع “يلا يا شباب راح جيب الجيش الإسرائيلي، خلينا نقطع الطريق بسرعة بسرعة”.
تتسارع الخطوات، ويكاد النفس ينقطع من سرعة الركض، “أسرع أسرع، شافونا ! هيهم ورانا اشردوا”،أصوات الكلاب البولسية السريعة المدربة على اللحاق بكل شخص يركض أمامه، أنفاس تكاد تنقطع من شدة التعب، عيون تلمع لرؤيتها الفتحة التي تعتبر في هذه اللحظات المخلّص من هذا العذاب، التي تدخلهم الجهة المقابلة حيث تنتظرهم سيارة لكي تقلهم إلى بر الأمان، “مسكوه مسكوه، كمل ركض اسرع أكثر”، “وقف ولك وقف هسا بطخك”، وأقدامهم تزداد سرعة، يرمون أنفسهم داخل السيارة، وتنطلق بأقصى سرعة، نفس عميق يُأخذ “أخيراً هربنا منهم”.
“هذه اللحظات نعيشها كل ما أردنا أن ندخل منطقة الخط الأخضر حتى نعمل ونستطيع أن نحيا بكرامة نحن وعائلاتنا، كثير من المرات يتم الإمساك بنا ويضربونا ويمنعونا من المرور ويعيدونا من حيث جئنا، وأحيانا يعتقلونا ويضعونا في السجن، وفي بعض الأحيان يطلقون النار علينا”، هذه الكلمات التي خرجت بشكل متقطع من شدة تعبه بفم الشاب الفلسطيني رامز مهدي -25-عاما ، الذي يذهب ويخاطر بحياته ليدخل الخط الأخضر المعروف “بإسرائيل” لكي يعمل في البناء ويجني المال ليعيل عائلته ويبني مستقبله.
“فأنا متخرج منذ ثلاث سنوات وللآن لم أجد وظيفة في مجال دراستي اللغة العربية في المدارس الحكومية أو الخاصة، لذلك لم يكن لدي أي خيار إلا أن أعمل في إسرائيل لأكسب لقمة عيشي أنا وأسرتي، وعائلتنا مكونة من عشرة أخوة وأخوات وأنا أكبرهم ويجب علي أن أساند والدي الكبير في السن حتى أعينه في إعالة العائلة، ولأني أريد أن أسس بيت وعائلة لي”.
“في اسرائيل نأخذ أجاراً أعلى بأربعة أضعاف مما نأخذه في أراضي الضفة الغربية، لست لوحدي من يذهب لكي يعمل هناك، بل أغلب الشباب الفلسطيني لأن الأجر العالي هو ما يدفعنا للمخاطرة والسعي للعمل لدى الكثيرين”.
هذا هو حال العديد من الشبان الفلسطينيين، الذين يبقون هم وجنود الإحتلال كالفريسة والصياد، إما أن يمسك الصياد بفريسته ويعذبها أو يقتلها، وإما أن تهرب هذه الفريسة وتبدأ حياة العمل والكد والجهد لكي تحمي نفسها من صياد أخر ألا وهو الجوع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *