يوم رحيلي

كما في كل ليلة منذ اقتراب تركي لبلادي وأهلي وعالمي لم أعد أقوى على النوم، أخلد إلى فراشي أتقلب يميناً وشمالاً أفتح عيوني تارة وأغمضها تارة أخرى، لا تكاد جفوني تنطبق على بعضها البعض حتى تفتح على مصرعيها، لا أستطيع النوم فبالي مشغول لم تبقى فكرة إلا وقد طرقت باب دماغي، أريد ان انام أشعر بالنعاس، ولكن ليلتي هذه ليست ككل الليالي فغداً موعدنا الساعة الخامسة والنصف فجراً مع السائق الذي سيقلنا من بيتنا إلى مدينة أريحا لنعبر الحدود “الجسر” لأغادر البلاد مع امي، سوف أغادر موطني وعائلتي وأصدقائي ، يا إلهي ما أصعب هذه اللحظات وما أقساها علي.
ما أن شعرت بغفوتي حتى استيقظت فزعه على صوت المنبه وكانه يقول لي “ها قد حان موعد رحيلك يا نور استيقظي” جهزت نفسي واستيقظوا اخوتي وأخواتي وها قد وصلت السيارة التي ستقلنا وهنا بدأت دقات قلبي بالتسارع وبدأت الغصة تجتاجني واستعدت الدموع للنزول فأنا راحلة يا أخوتي راحلة يا جيراني راحلة يا موطني، ليتني لا أرحل بدأت لحظات البكاء والوداع كيف لي أن اتركهم أترك فلذات أكبادي وأحبابي بكينا حتى بكا البكاء علينا لم نقوى على تمالك أنفسنا ولو لم يزمر السائق لنا وينبهنا بأن الوقت يمر لما تمالكنا أنفسنا، ركبت بالسيارة وقلبي معهم ودموعي تنهمر دون توقف وعيوني لاتريد مفارقتهم ولكن تقدمت السيارة في طريقها وابتعدت أكثر فأكثر عن عائلتي والقلب يتقطع على فراقهم.

صوت بكائي يملأ السيارة وما أن تمالكت نفسي ومع صوت امي التي تخفف عني حتى توقفت عن البكاء، ورفعت رأسي إلى نافذة السيارة وبدأت أتمعن بمعالم كل مدينة فلسطينية نمر منها وكأني أراها لأول مرة، ما أحلاكي يا فلسطين وما أروعك، اعذريني أن لم أنتبه يوما لجمالك الخلاب ، إعذريني إن لم أعشقكي أكثر من عشقي لك الآن، فلن أجد بلاد بجمالك يا محبوبتي، ستبقي الأولى في فؤادي وسوف أحبك دوما ودوما،وها أنا أخطو أولى خطواتي على حافلة العبور لأبدأ حياتي الجديدة مع شريك العمر في الأردن، إلى اللقاء يا غاليتي يا فلسطين الحبيبة.