حليمة أبو ربيع ….حكاية اصرار

كتبت: نور ابو غيث
لا عنوان يدلك عليها، ولا أي اشارة تعريف، كأنها ليست موجودة على هذه الأرض، طريق لاينتهي ، قليلة هي المركبات التي تمر الطريق، ونادرا ما ترى مركبات فلسطينية، أغلبها سيارات للاحتلال الاسرائيلي، سرنا في طريقنا إليها وكدنا أن نضيع في متاهات الطريق حتى وجدنا راعيا للأغنام ، عندما رأيناه كأننا رأينا منقذنا، فسألناه عن مكان إقامتها، وبحمد الله كنا قريبين من جمعيتها وها قد وصلنا.
بيوت بعيدة عن بعضها البعض، مبنية من طوب وغير مسقوفة ومغطاه بألواح من “الزينكو”، حرارة لاتطاق فنحن في أخفض منطقة في العالم في الجفتلك في محافظة أريحا، نزلنا من السيارة وإذا بها تستقبلنا مع مجموعة من النساء في مجمع لا أستطيع ان أطلق عليه مكتب أو بيت فهو مكون من خمس غرف صغيرة وصالة كبيرة، ولكنه غير مسقوف ومغطى بألواح “الزينكو”، جلسنا وبدأنا نسمع حكايتها.
عرقها يتصبب من على جبينها من شدة الحر، هي امرأة ناضلت من أجل أن ترفع من شأن المرأة في قريتها الجفتلك – قرية فلسطينية تقع في الأغوار الفلسطينية وتحيط بها المستوطنات من كل الاتجاهات ضمن الأراضي المحتلة عام 1967- تناضل لأخذ حقوقها التي طالما أستبيحت من الكثيرين، هي امرأة لم تعرف طعم الهزيمة ولا الاستسلام بقيت واقفة متحدية كل الصعاب، إني أتحدث عن فلسطينية الهوى والهوية فلسطينية المبسم بوجهها البشوش السمح إنها حليمة أبو ربيع، السيدة التي حاربت كل الظروف المعادية لها لكي تزيد من عدد الرياديات والقياديات في جعبة النساء الفلسطينيات.
بدأت قصتها فقالت:” عندما لم يتوفر لقريتنا ماء أو كهرباء ولا يوجد مواصلات إلا في أوقات محددة، لم أستطع الاحتمال، فهنا الحر شديد ودرجات الحرارة تتعدى الأربعينات، وبيوتنا مسقوفة من “الزينكو” وهذا يعطيها حرارة أعلى، كنا نخرج من البيوت ونستنجد بظل الأشجار ليقينا من الشمس الحارقة، من يمشي تحتها يفقد وعيه، ولا ماء فالماء يسرقه المستوطنون، بالكاد نشرب ونقضي الضروريات، مللنا من وعود المسؤولين والمماطلة في حل مشكلتنا في إيصال الماء والكهرباء لقريتنا، وما كان بي إلا أن أذهب أنا ومجموعة من نساء القرية والأطفال ونعتصم أمام مكتب المحافظة في رام الله والمطالبة بحقوقنا، وكررنا الاعتصام حتى حصلناعلى الحد الأدنى من مطالبنا”.
” كانت هذه الخطوة مشجعة لي ولنساء القرية، وعملت على زيادة ثقتنا بأنفسنا واستشعارنا بقيمة وجودنا، ومن مبدأ رفضنا لعمل نساء القرية في المستوطنات قررنا تأسيس جمعية نسوية وبالفعل أسسنا جمعية “الجفتلك التعاونية للتصنيع الغذائي”، كما جاءت الفكرة من أن الأغوار تشكل سلة غذاء الضفة الغربية لتوفر الخضراوات فيها بكثرة وخاصة الفلفل والباذنجان، وبدأت جمعيتنا بعد التأسيس بجذب القوى العاملة النسائية وخاصة اللواتي كن يعملن في المستوطنات القريبة من قريتنا، قريتنا تقع بين مستوطنات “مساءة”، “الحمرا” (بكعات هيردن) “وأرجمان”، فبدأنا بتصنيع المخللات مثل مخلل الفلفل ومخلل باذنجان/مكدوس، والشطة، وكانت البداية بتوزيع منتوجاتنا محليا، إلى أن تعاقدنا مع شركة “نيو فارم” لترويج منتجاتنا وتوزيعها في أغلب محافظات الضفة الغربية وفي بعض الدول العربية مثل قطر والسعودية وغيرها من الدول العربية، وأتمنى أن تصل منتجاتنا لكافة أنحاء الدول العربية والعالمية”.
“واجهتنا تحديات كبيرة نحن كنساء عاملات في هذه القرية، فالتحدي الأول والأكبر كان الرجل،فأغلب رجال القرية كانوا غير مشجعين لنا ولجمعيتنا، وكانوا يستهزئون بعملنا، ولكن هذا لم يفت في عضدنا ولم ينقص من عزيمتنا وزاد من اصرارنا على الاستمرار في نجاحنا وانتاجنا، فأصبح لدينا استقلالية اقتصادية وتكوين دخل داعم قوي للمرأة، تكاتفنا يدا بيد لنصل إلى ما نصبو إليه، فالاصرار هو سر نجاحنا، وللمضي قدما نحو رقي المرأة الفلسطينية ورفع شأنها وأخذ كامل حقوقها، حتى وصلنا لمرحلة المساهمة في صنع القرار بدايتها كانت القرارت التي تخص البيت والعائلة لنصل إلى صنع قرارت أكبر من ذلك”.
حليمة أبو ربيع هي مثال من كم كبير من الأمثلة على قوة المرأة الفلسطينية وصمودها أمام تحديات تقف في طريقها، من احتلال، وذكورية بيئتها المحيطة، وطبيعة الحياة في قريتها، كل هذه الرياح العاتية وقفت أمام حليمة وبقيت متمسكة بكل ما أوتيت من قوتها بمبادئها وطموحها وأحلامها حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، فلا للمستحيل في وطن الجبارين.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *